خُلقنا من طين

خُلقنا جميعاً من طين .. و هذه ليست بمعلومة جديدة على مسامعكم .. بل انها حقيقة علمية و عملية و الأهم من ذلك انها الحقيقة العقائدية الثابتة لدى جميع الديانات .. أصولنا طينية ..

لا أحد يستطيع إثبات انه خُلق من ذهب أو من فضة .. أو أن معجونة خُلط خصيصاً له لانه ذا مقام رفيع .. او من سلالة نقيّة .. أو لأنه إبن ذاك الملك او لانه عبقريُاً فذ .. او لأنها صاحبه ذلك الجمال الفتّان .. او لانه ذلك الفتى القوّى مفتول العضلات .. صاحب السيّارة الكابورلية ..

المقدمة اللى من خمس سطور دى كان ممكن أختصرها فى جملة مُنير قالها فى أغنية من أغانية .. " يهمنى الإنسان و لو ملوش عنوان " .. بس كان لازم أحط الخمس سطور الاولانيين دول عشان اللى مبيحبش منير .. و لو انهم قلّة .... " مندسة " ..

ببساطة ملوش لزوم أبداً نشوف نفسنا على بعض .. عشان احنا اصلا واحد .. و كلنا عارفين القصة كويس .. بس للاسف البعض نسى أو بيحاول ينسّى نفسه .. و بيعتقد انه غير الكل .. او انه حالة طارئة .. مخلوق جديد من نوعه عشان كدة لازم يشوف نفسة على الباقيين .

مصطلح " بيئة " فى حد ذاته مصطلح عنصرى .. كتير منّا بيقع فيه ليل مع نهار , بنقدر نرمية بسهولة على أى حد بسيط فى لبسة أو مظهرة , أو بسيط فى طبعه و أسلوبة .. أو جاى من مكان بسيط ..
محاولناش نفهم يعنى ايه " بيئة " ؟ و ليه احنا بنُطلق الاسم ده على الانسان الغلبان اللى على قد حاله .. ليه قررنا عزلة عننا و وضعه فى قالب تانى ؟ هل بكدة رفعنا من شئننا ؟ أو عظّمنا من قدرنا ؟ أو يمكن علّينا رصيدنا عند الله ؟ .. قطعاً لأ .. كل الحكاية اننا قلّلنا من شأن غيرنا .. و دنسنا معنى إنسانى جميل المفروض نزرعه جوّانا و هو التواضع ..

لو فكرت شوية هتلاقى ان " البيئة " ده مبقاش " بيئة " بمزاجه أو برضاه , بقى " بيئة " لان ظروفة كانت غير ظروفك .. اتولد ملقاش أبوة موظّف فى شركة محترمة ولا فى بنك , اتولد ملقاش نفسة ساكن فى المهندسين أو المعادى .. كل الحكاية انه اتولد فى حى شعبى فقير لابويين غلابة بالكاد يملكون قوت يومهم .. ولا كان بإيديهم ولا كان بإيد جدودهم ولا جدود جدودهم يكونوا أفضل من كدة .. و دايمًا الأرزاق على الله .. يعنى أنت نصيبك تطلع تلاقى لنفسك مكان فى الدنيا .. تلاقى ليك كرسى فاضى تقعد عليه و تحط رجل على رجل و تبدأ تركّز فى خلق الله حواليك و تقول ده " بيئة " و ده مش " بيئة " .. و تفتخر بأنك " كلاس " ..

و لو نظرنا للموضوع من ناحيه تانية هنلاقى إنة من الغباء انك تتنفر من شخص ثقافتة غير ثقافتك أو توصفه بأنه " بيئة " فقط لانه لابس لبس هوّا مقتنع انه جامد جداً بيه .. أو لانه بيسمع أغنية شعبية فرحان بيها جداً و بيرقص رقصته المفضله عليها .. أو لانه جاى من حى شعبى بيفتخر بيه و عنده بالدنيا و ما فيها ..

حاول تحب الناس زى ماهى و تفرح بوجدهم جنبك .. أوعى تشوف شباب مهيبرين على مهرجان شعبى من المهرجانات و تقول عليهم " بيئة " .. - لانهم هيشوفوك و انت معدى بعربيتك الاسبور و هيقولوك " تلاقى امك اللى جيبهالك " - .. حاول تفرح لفرحهم .. و لو معرفتش .. يبقى تحاول تشيلهم من دماغك و تحاول تفرّح نفسك بطريقتك و بإسلوبك و حافظ على إحترام أساليب غيرك فى التعبير عن نفسهم .

فكرة انك تبقى مغرور أو شايف نفسك فكرة فى منتهى الغباء , أوعى تفتكر انك لما تشخط فى السايس قدام الناس كدة انت برنس , أو لما تتريق على طريقة كلام شاب زيه زيك تبقى انت كدة نضيف .. او لما تبقى قاعده ساكتة فى قاعده بنات و يبقى كلامك طالع منك بالعافية و بصاتك من تحت لفوق للناس تبقى انتى كدة بنت ناس و كلاس ..

البساطة و التواضع طول عمرهم أعظم أسرار العظمة .. و العظمة لله وحدة .. و الإنسان المتواضع دايماً بيكون ليه بريقه الخاص .

أنوى فى يوم و قول أنا قررت أكون بسيط النهاردة .. انا قررت أكون اكتر واحد متواضع النهاردة فى الدنيا كلها .. و نفّذ ده بتصرفاتك طول يومك .. و لو عجبك الحوار جرّبة كمان و كمان .. لحد ما تتقُنه .. بعدين أبدأ علّم صحابك .. و قولهم انت حسيت بأية .. أوصفلهم قد ايه زاد حب الناس ليك بعد ما قررت تكون متواضع .. قولهم مدى راحتك النفسية .. قلّهم ان الفجوة بينك و بين السعاده اللى بجد قلّت كتير .. قلّهم انك اتخلصت من عقدك و كلاكيعك ..

قلّهم انك اتعالجت .